موقف سيكوي - أفق من الخطط والإجراءات التي تقوم بها الحكومة الجديدة
تحت الشعار الشعبويّ “استعادة الحَوكَمة”، أطلقت الحكومةُ الجديدةُ هجومًا بالغ الخطورة على جميع الآليّات التي من شأنها أن تكبح، توازن، وتراقب استخدام القوّة من قِبل السياسيين في الحكومة.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الآليّات الديمقراطيّة في دولة إسرائيل مجتزأة وهشّة أصلًا، فالتشريعات الحاليّة والمؤسّسات السلطويّة تخلق تمييزًا جليًّا بين اليهود والعرب في جميع مجالات الحياة. على الرغم من ذلك، لا يزال هناك الحدّ الأدنى من المؤسّسات التي تتيح النضال من أجل المساواة والمجتمع المشترَك وتمنح نافذة أمل لإصلاح الوضع أملًا بإرساء ديمقراطيّة بكلّ ما للكلمة من معنى.
لكنّ الحكومة الجديدة، كما ذُكر آنفًا، تسعى بكلّ ما أوتيت من قوّة لإضعاف هذه المؤسَّسات وسحقها، بحيث يفقد المواطنون قدرتهم على الاستفادة منها في سعيهم نحو مجتمع عادل، متكافئ، ومُشترَك.
يتضمّن هذا الهجومُ خطواتٍ تشريعيّة يتمّ العمل على بعضها بقوة وبسرعة، فيما يتمّ التخطيط لخطوات إضافيّة، تهدف أساسًا إلى نزع قوّة الجهات التالية وإخضاعها لسلطة رئيس الحكومة والوزراء: المنظومة القضائيّة، الموظّفين الحكوميين، الإعلام ، العمل المُنظَّم، وجمعيّات المجتمع المدنيّ. إضافةً إلى ذلك، دفعت الحكومةُ خطوات تشريع ورسم سياسات مُوجَّهة لإحداث تسييس كامل للشرطة التي يُفترَض أن توفّر الحماية للمواطنين جميعًا، ولتعميق تسييس الجهاز التربويّ، الذي يُفترَض أن يشجّع على قيَم التفكير النقدي، استيضاح الهويّة الشخصيّة والجَمعيّة، وتعزيز التضامن بين المجموعات المختلفة.
نرى في هذه الخطوات خطَرًا فِعليًّا يُهدِّد بالمسّ بحقوق جميع المواطنين، لا سيّما مجموعات الأقليّة والفئات المُستضعَفة، وعلى وجه الخصوص المجتمع العربيّ كمجموعة أقليّة قوميّة أصلانيةط. ونعتقد أنّ دَوس الآليّات التي تتيح النضال من أجل المساواة والشراكة، عبر إخضاع مراكز القوّة المختلفة لسلطة الحكومة، سيتيح للأخيرة أن تسحق حقوق الأقليّة، تزيد التمييز، تُفاقم القمع، وتزيد عُمق الفصل، الشعور بالاغتراب، والعدائيّة بين اليهود والعرب. وليس اعتقادُنا هذا مستندًا إلى مجرّد تخمينات أو سيناريوهات نظريّة، بل هو نتاج تحليل عميق للخطط الحكوميّة التي تشتمل على خطوات لزيادة قمع الهويّة الجَمعيّة والقوميّة للمواطنين العرب، خطوات تهدف إلى إبطاء خطط سدّ الفجوات بين العرب واليهود وإلى وقف هذه الخطط على المدى البعيد، خطوات لخلق مراكز تمييز جديدة، وخطوات لممارسة وسائل قمع وعُنف مُمؤسَسة عبر الشرطة والقوى الأمنية تجاه المجتمع العربي عُمومًا.
على سبيل المثال، يؤدّي إبطال “مبدأ المعقوليّة” إلى المسّ بقدرة المواطنين والسلطات المحليّة العربيّة على الالتماس إلى المحاكم والاعتراض على مصادرة الأراضي التي يمتلكونها ويستخدمونها – مصادَرة مُوجَّهة في الواقع ضدّ المجتمع العربي بشكل واضح. إضافةً إلى ذلك، فإنّ التسييس الكامل للشرطة وإخضاعها لسلطة وزير الأمن القوميّ يتيحان زيادة عُنف الشرطة المُوجَّه أساسًا نحو المواطنين والمتظاهرين العرب في معظم الحالات، الأمر الذي يُلغي القيود التي وضعتها الشرطة في هذا المجال عقب أحداث تشرين الأول (أكتوبر) 2000. كما أنّ الحدّ من سلطة المحكمة العليا يتيح المسّ بشكلٍ ملحوظ بتمثيل المجتمع العربي في مؤسَّسات الحكم. فسيصبح أسهل بكثير شطب مُرشَّحين عرب للكنيست، إذ إنّ المحكمة العليا اليوم هي الجهة الأخيرة التي تمنع شطبهم. إضافةً إلى ذلك، فإنّ تسييس الجهاز التربويّ ينقل الصلاحيات على البرامج التربويّة الاجتماعيّة – القيميّة من الموظّفين المختصّين إلى المسؤولين السياسيّين – ما يمكن أن يمسّ كثيرًا ببرامج اكتساب مهارات الحياة المُشترَكة لدى المُدرِّسين والطلّاب العرب واليهود. وفضلًا عن ذلك كلّه، فإنّ الخطوات التي تعتزم الحكومة اتّخاذها لترسيخ الاحتلال، ولدعم ضمّ الأراضي المُحتَلّة، تُهدِّد برفع حدة النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى درجة خطيرة.
استنادًا إلى التحليل الآنف ذِكرُه، نرى أنّ الانقلاب السلطويّ الذي تسعى إليه الحكومة يسدّ الطريق نحو تأسيس ديمقراطيّة كاملة، يمسّ بشكلٍ خطير بحقوق المواطنين العرب، ويخلق خطَرًا ملموسًا وفِعليًّا لتدهور العلاقات الحسّاسة والمُركَّبة بين المواطنين اليهود والعرب وبين المواطنين العرب ومؤسّسات الدولة.
لذلك ، فإنّنا في سيكوي – أفق نعارض جميع إجراءات الحكومة الهادفة إلى إضعاف المراكز والجهات التي تراقب عملها وتُحدث نوعًا من التوازن، كما نرفض تسييس أجهزة القطاع العامّ. ولا ندعو فقط إلى إيقاف هذه الخطوات فحسب، بل أيضًا إلى تعديل جذريّ في جميع آليّات الحكم، بما يكفل ديمقراطيّة تامة، مساواة، شراكة وسلام. سنعمل مع شركائنا من أجل الدفاع عن خطط سدّ الفجوات وتصحيح التمييز، منع خطوات تُفاقم التمييز، الفصل، العنصريّة، والعنف، وفي الوقت نفسه سنواصل سعينا ومبادرتنا إلى خطوات طويلة الأمد تضع أساسًا لمجتمع قائم على المساواة، المشارَكة، والعدالة.