الخطة الخماسيّة الجديدة للمجتمع العربي- توصيات جمعية سيكوي
في الشهر المقبل، تشرين أول 2021، من المتوقع أن تصادق الحكومة على خطة خماسية جديدة تحدد جميع التدابير التي ستتخذها الحكومة في السنوات الخمس المقبلة للحد من التمييز وانعدام المساواة بين المجتمع العربي والمجتمع اليهودي في عدة مجالات، وذلك بعد المصادقة في شهر آب الماضي على القرار الحكومي 292 الذي حدد الإطار المالي العام للخطة الخماسية.
من المفروض أن تواصل هذه الخطة ما بدأته الخطة 922 في العام 2015، والتي شملت تخصيص نحو 10 مليارات شيكل جديد في الفترة ما بين 2016-2020 للتطوير الاقتصادي في المجتمع العربي، بناءً على الاعتراف بالتمييز القائم في الميزانيات وفي آلية تخصيص الميزانيات الحكومية للمجتمع العربي. ومن المتوقع أن تشمل الخطة الجديدة إصلاحات للتمييز القائم في المجالات التي لم ترِد في القرار 922، وتوسيع نطاق الميزانيات التي استثمرت في إطار القرار 922.
رافقت جمعية سيكوي عن كثب سيرورة تطبيق القرار 922، وهي تعمل منذ شهور طويلة على بلورة توصيات للخطة الخماسية الجديدة في مجالات تخصصنا المختلفة، والتي سترسم الطريق نحو تقليص الفجوات ووضع حد للتمييز واللامساواة الممارسين منذ سنوات طويلة. القرار الحكومي القادم هو قرار مهمّ للغاية من شأنه أن يبلور للسنوات المقبلة سياسات الحكومة تجاه المجتمع العربي، والعلاقات بين المواطنين العرب وسلطات الدولة.
تجدر الإشارة إلى أنّ المساواة والشراكة الحقيقيتين لا تقتصران على التطوير الاقتصادي-الاجتماعي فقط، بل تشملان أيضًا المساواة القومية والشراكة الحقيقية بين المواطنين الذين يعيشون في هذه البلاد بواسطة الاعتراف بالحقوق الجماعية للأقلية القومية الفلسطينية. ولكن قرار تخصيص الميزانيات وتقليص الفجوات يبقى مهمًا وضروريًا حتى إن لم يعالج جميع القضايا وحتى إن لم يسهم بشكل مطلق في حلّ القضايا قيد المعالجة.
حرصنا في جمعية سيكوي على التداخل في بلورة القرار 922 ومرافقة تطبيقه، وفي إطار ذلك نكتب هنا عن تأثير الخطة الخماسية 922 وعلى الأمور التي يجب أن تتخلّلها الخطة التكميلية لتحقيق المساواة الحقيقية بين اليهود والعرب في البلاد :
التخطيط والإسكان
كيف يبدو الواقع الحالي؟
يوجد في الوقت الحالي نحو 30,000 مبنى غير منظّم في البلدات العربية، ومئات آلاف المواطنين العرب يعيشون في منازل معرضة لخطر الهدم، وذلك مع أنّه بعد سنوات طويلة من التمييز في موارد التخطيط والأراضي في البلدات العربية وغياب بنية تحتية قانونية تنظّم استخدمات الأرض، بدأت مؤسسات التخطيط في السنوات الأخيرة بإعداد خرائط هيكلية شاملة للبلدات العربية والمصادقة عليها. ولكن التخطيط المفصّل، التي تصدر بموجبه رُخص البناء، لم يُستكمل بعد، ولحل مشكلة الإسكان، يجب دعم وتسريع هذه السيرورات.
في الفترة ما بين 2015-2020، تمت المصادقة على مخططات تسهم في ترخيص وتنظيم 2,165 مبنى قائم. مع ذلك، هناك حاجة لتسريع السيرورة وتوسيع مناطق التطوير في البلدات حيث توجد مجمعات مبان خارج المخطط الهيكلي.
بالإضافة إلى تخطيط وتنظيم الأحياء، هناك أهمية قصوى للتجدد الحضري في البلدات العربية. إنّ تجديد النسيج القديم وإيجاد حلول لقضايا المواصلات، المرافق العامة والمساحات الخضراء هو حاجة ماسة، ولكن الآليات القائمة حاليًا (مثل المخطط الهيكلي القطري 38/بناء وإخلاء) غير مناسبة لهذه البلدات .
طريقة أخرى لحلّ أزمة السكن في المجتمع العربي هي التسويق لأراضي الدولة في البلدات العربية، وهي الوسيلة الوحيدة تقريبًا لتوفير حل إسكاني للكثير من الأزواج الشابة في المجتمع العربي. الوضع القائم حاليًا يعكس انعدام الفهم للاحتياجات والتفضيلات الخاصة للمجتمع العربي. على سبيل المثال، محاولة استخدام أدوات وخطط قطرية مثل “السعر للساكن – מחיר למשתכן” وأدوات أخرى بهدف التسويق في البلدات العربية فشلت لأنّ هذه الأدوات لم تلاءم لخصائص الأحياء وتضاريس البلدات العربية. نجد مثالًا إضافيًا في طريقة التسويق القائمة على مبدأ “من يدفع أكثر – כל המרבה במחיר” والتي ترفع من أسعار الأراضي، ولا تزال شائعة في البلدات العربية في مركز البلاد، بالرغم من توصية طاقم الـ 120 يومًا الذي شكّلته وزارة المالية ودائرة التخطيط في نهاية 2014 لبلورة خطة جديدة لمعالجة قضية الإسكان في المجتمع العربي، وتقليص نطاقها.
في عام 2016-2017، كانت هناك محاولة أخرى لإيجاد حل لضائقة الإسكان، بحيث أقامت وزارة الداخلية في حينه ست لجان جغرافية مخولة باتخاذ إجرائين رئيسيين: تغيير حدود مناطق النفوذ بين السلطات المحلية المتجاورة، وإعادة توزيع إيرادات الأرنونا من المناطق المدرّة لهذه الضريبة بين السلطات المتجاورة. ولكن هذه اللجان لم تحقق الأهداف التي حددتها لها وزارة الداخلية، لأسباب مختلفة، وأضرت بالسيرورة التي هدفت إلى إزالة العوائق البلدية والتخطيطية في البلدات العربية، وقد تطرق طاقم الـ 120 يومًا في توصياته هذه المسألة. للجان الجغرافية دور مهم في دعم التخطيط في المجتمع العربي، أيضًا في ظل الحاجة لأراضٍ للتخطيط والتطوير، خاصة أراضي دولة لعديمي المساكن وللأغراض العامّة، وللتوزيع العادل لموارد الأرض والتخطيط. التوزيع العادل لهذه الموارد سيحقّق عدالة توزيعية، وسينشئ قاعدة لبناء علاقات الثقة وتعزيز السلطات المحلية على المستوى الاقتصادي-الاجتماعي وعلى المستوى المكاني أيضًا.
ما هو التغيير الذي أحدثه القرار 922؟
ساهم القرار الحكومي 922 في تحسّن محدود في بعض المواضيع التي استعرضت حتى الآن، إذ أنّ الميزانيات المخصّصة كانت كبيرة، ولكنها غير كافية، واستغلال الميزانيات التي خصّصت كان جزئيًا فقط. عندما همّت السلطات المحلية العربية بصرف ميزانيات التخطيط، اصطدمت بآليات المراحل والشروط التي صعّبت عليها استغلال الميزانيات وتطبيق القرار بشكل فعلي. وبالإضافة إلى آلية تطبيق القرار، هناك عوائق تخطيطية تتطلب حلًا خاصًا بالمجتمع العربي، على سبيل المثال، مجال تخطيط وتطوير الأراضي الخاصة، التسويق لعديمي المساكن وغير ذلك. وعليه، يمكننا الإشارة إلى بعض التدابير التي ساهمت في تقليص الفجوة التخطيطية إلى حدٍ ما، ولكن الطريق أمام سدّ هذه الفجوة بالكامل لا تزال طويلة.
ما الذي يجب أن يحدث في السنوات الخمس المقبلة ( وأن يُدمج في الخطة الخماسية الجديدة؟)
لخلق تغيير حقيقي في مجال التخطيط، يجب تخصيص موارد- بما في ذلك موارد الأراضي والميزانيات. الخطة الجديدة يجب أن تتلاءم مع احتياجات السكان في المناطق الجغرافية المختلفة، ومع طابعها. ما يلي بعض التوصيات الرئيسية في هذا الموضوع
تخصيص أراضي دولة للتطوير وللبنى التحتية العامّة، وتوسيع مناطق التطوير في البلدات العربية من أجل هذا الهدف.
إتاحة المعلومات والمعطيات للسلطات المحلية التي تقدم طلبًا للجنة الجغرافية، ومناقشة جميع بنود الطلب بشكل مهني وشفاف.
تخصيص ميزانيات وتسريع سيرورة التخطيط المفصّل، تنظيم المباني القائمة وتخصيص الموارد المطلوبة لذلك.
قيادة سيرورات التخطيط من قبل السلطة المحلية، إلى جانب دعم وتعزيز القوى العاملة في أقسام الهندسة.
تطوير طريقة تسويق ملاءمة للبلدات العربية وإجراء مسح عام للاحتياجات الإسكانية في كل بلدة.
تطوير وتخصيص ميزانيات لأدوات تجديد الأحياء القديمة ومراكز البلدات العربية، ودمجها في مؤسسات التخطيط ذات الصلة.
المواصلات
كيف يبدو الواقع الحالي؟
وضع البنى التحتية للطرق في البلدات العربية سيء. في العديد من هذه البلدات، هناك طرق وعرة ونقص حاد في الأرصفة ووسائل الأمان والسلامة. المستوى المتدني للبنى التحتية يحول دون وصول المواصلات العامة إلى أجزاء كبيرة من البلدات العربية ويعيق قدرة مئات آلاف المواطنين على التنقل بحرية، الالتحاق بالمؤسسات التعليمية، كسب العيش بكرامة وتلقي خدمات طبية أساسية. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ وضع البنى التحتية للطرق والنقص في المواصلات العامة هما جزءٌ من الأسباب وراء العدد الكبير من مصابي حوادث السير في البلدات العربية وارتفاع معدلات الوفاة نتيجة حوادث السير والذي يعادل ضعفيّ نسبتهم من مجمل السكان.
ما هو التغيير الذي أحدثه القرار 922؟
تضمن أهداف القرار 922 مقارنة مستوى خدمات المواصلات العامة بين البلدات العربية واليهودية المتشابهة، بالإضافة إلى تخصيص مئات ملايين الشواقل لتحسين البنى التحتية للطرقات. منذ صدور القرار وحتى يومنا هذا، طرأ تحسّن مستمر على مستوى خدمات المواصلات العامة في البلدات العربية. مع ذلك، يشير بحث مقارِن أجريناه في جمعية سيكوي- وبحث مماثل أجرته وزارة المواصلات- إلى وجود هوة واسعة بين مستوى خدمات المواصلات العامة في البلدات العربية والبلدات اليهودية، وإلى أنّ خدمات المواصلات العامة القائمة في البلدات العربية بعيدة كلّ البعد عن تلبية احتياجات السكان.
بالنسبة لمستوى البنى التحتية للطرقات، فإنّ القرار 922 لم يسهم في تحسين ملحوظ. وضع الطرقات في البلدات العربية بقي على حاله، باستثناء بعض التغييرات العينية.
ما الذي يجب أن يحدث في السنوات الخمس المقبلة ( وأن يُدمج في الخطة الخماسية الجديدة؟)
لإحداث تغيير جذري في وضع المواصلات العامة في البلدات العربية وموازاتها بالمستوى العام للبنى التحتية لشبكة الطرق وخدمات المواصلات العامة، ، هناك حاجة ماسة للاستثمار بشكل كبير في البنى التحتية للطرق وفي الشوارع الرئيسية في البلدات العربية. هذا الاستثمار يجب أن يشمل شق وبناء الأرصفة، تنظيم مواقف السيارات، إقامة محطات ومحطات نهائية للمواصلات العامة، التشجيع على المشي واستخدام وسائل مواصلات غير آلية. وإلى أن يُستكمل تطوير البنى التحتية، يجب اتخاذ خطوات فعالة لتحسين مستوى المواصلات العامة. على سبيل المثال، خدمات المواصلات العامة يجب أن تتوفر في الوقت الحالي في مركبات صغيرة. الحالات التي يوجد فيها عائق يحول دون إقامة محطات (عائق مالي، عائق متعلق بالبنى التحتية أو غير ذلك)، يجب تقديم الخدمة عند “رفع اليد”، أي حسب الطلب (كالمتبع مع سيارات الأجرة مثلا)، وفي بعض الحالات، يجب السماح بتقديم الخدمة على طرقات غير معبّدة. بهذا، يحظى جميع المواطنين العرب بمنالية خدمات المواصلات العامة دون الحاجة لانتظار تطوير البنى التحتية، الذي قد يستغرق وقتًا طويلًا.
بالإضافة إلى ذلك، لم تُقم في إسرائيل حتى يومنا هذا محطة قطار واحدة في بلدة عربية. لمحطات القطار أهمية قصوى ليس فقط على مستوى النقل، إنما على المستوى الاقتصادي أيضًا. المناطق التجارية والتشغيلية تستند في الوقت الحاضر إلى محطات القطار القائمة في مختلف البلدات، وهي قادرة على خلق حصانة اقتصادية ومصادر مدرّة للدخل للسلطة المحلية والسكان.
التشغيل
للمزيد
كيف يبدو الواقع الحالي؟
حتى قبل تفشي جائحة كورونا، كانت هناك هوة عميقة في معدلات تشغيل المواطنين العرب في سوق العمل، مقارنة بالمواطنين اليهود. حتى شهر يناير 2020، وبينما بلغت نسبة تشغيل الرجال اليهود غير الحريديين في الفئة العمرية 25-64 عامًا %87.9، فإنّ نسبة تشغيل الرجال العرب في نفس الأعمار بلغت %70.7. وجدت لدى النساء هوة أعمق: بلغت نسبة تشغيل النساء اليهوديات في تلك الفترة %83.8، مقابل %36.85 لدى النساء العربيات.
وفي فترة الكورونا أيضًا، كانت الفجوات واضحة للغاية: يشير تقرير مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست إلى انخفاض بنسبة %22 في عدد العاطلين عن العمل في المجتمع اليهودي بين الإغلاقين الأول والثالث، بينما انخفضت نسبة العاطلين عن العمل في المجتمع العربي بـ %14 فقط في نفس الفترة الزمنية.
ما هو التغيير الذي أحدثه القرار 922؟
من ميزانية 10 مليار شيكل التي خصصتها الخطة الخماسية للتطوير الاقتصادي في إطار القرار 922، تم تخصيص نحو مليار شيكل بشكل مباشر لمجال التشغيل والاقتصاد. ولكن في الواقع، فإنّ الميزانية التي استغلت كانت أقل بكثير- ولم تتعد 380 مليون شيكل.
عملت وزارة العمل والرفاه، التي خُصّص لها جزء من الميزانية، على مستويين: الأول، إقامة وتفعيل “مراكز ريان” للتوجيه المهني التشغيلي، والثاني- توسيع نطاق الحضانات والحضانات المنزلية. بالمجمل، خُصّصت لهذين المجالين ميزانية 353 مليون شيكل، واستغل منها 239 مليون شيكل.
عملت وزارة الاقتصاد، والتي خصّص لها هي أيضًا جزء من الميزانيات، على أربعة مستويات: تسويق وتطوير مناطق صناعية؛ تحفيز المشغّلين لتشغيل عاملين عرب (مسارات تشغيل)؛ دعم المصالح الصغيرة والمتوسطة، تشجيع صناعة الهايتك ودعم المصدّرين. بلغ حجم الميزانية الإجمالية المخصصة لذلك 672 مليون شيكل، لم يستغل منها سوى 143 مليون شيكل. فيما يخصّ تسويق وتطوير المناطق الصناعية، تم استغلال %10 فقط من الميزانية. خصّصت لمسارات تحفيز المشغّلين ميزانية 124 مليون شيكل، استغل منها 99 مليون شيكل. نتيجة هذه المسارات، تم توفير 1,985 وظيفة جديدة لعاملين عرب.
ما الذي يجب أن يحدث في السنوات الخمس المقبلة ( وأن يُدمج في الخطة الخماسية الجديدة؟)
معظم الموارد والأدوات السياساتية التي فعّلتها الحكومة حتى الآن في مجال التشغيل في المجتمع العربي كانت موجّهة نحو زيادة عدد العاملين العرب. ولكن الحكومة لم تولٍ أي اهتمام تقريبًا للعوائق التي تحول دون طلب عاملين عرب من قبل المشغلين. في هذا المجال، فإنّ التمييز على خلفية قومية، والتفضيل العام لدى الناس لتشغيل أشباههم، يؤديان إلى إخفاق حاد في الطلب على العاملين العرب، خاصة في مهن ورتب ذات أجور عالية. ذلك، يتوجب على الحكومة تبني سياسة أكثر استباقية وأوسع نطاقًا لزيادة الطلب على العاملين العرب. وجدنا في سيكوي أداتين يمكن للحكومة تفعيلهما لزيادة الطلب على العاملين من المجتمع العربي:
المشتريات الحكومية – آلية تشتري الحكومة من خلالها خدمات مختلفة من مزودين خاصين، وتعمل هذه الآلية بموجب قانون واجب المناقصات (1992). يبلغ حجم المشتريات الحكومية نحو 34 مليار شيكل جديد سنويًا، ويتفق الجميع على أنّ هذا المبلغ قادر على تحقيق تغيير جذري في أنماط التشغيل في السوق الإسرائيلية. توصياتنا تشمل تفعيل آلية تشير إلى عدد العاملين العرب ورُتبهم في الشركات المشاركة في مناقصات المشتريات الحكومية؛ إعطاء تدريج أعلى للشركات التي تشغّل عاملين عرب في إطار مناقصات المشتريات الحكومية؛ نشر معطيات حول عدد مزودي الخدمات العرب المشاركين في المناقصات وعدد المزودين الذين فازوا بالمناقصات؛ ضمان التمثيل الملائم للعرب في لجان المناقصات وتطوير منظومة معلومات وتدريب لشركات بملكية عربية، ليتسنى لعدد أكبر من هذه الشركات (التي تشغّل عددًا أكبر من العاملين العرب) من المشاركة والفوز بمناقصات المشتريات الحكومية. إنّ تطبيق هذه التوصيات سيحفز المشغلين في السوق الخاصة على دعم التشغيل العادل وواسع النطاق للمواطنين العرب.
مِنح رأس المال- تعطى هذه المنح في إطار قانون تشجيع الاستثمارات، وتقع ضمن مسوؤليات سلطة الاستثمارات الرأسمالية في وزارة الاقتصاد. تهدف أساسًا إلى تشجيع متعهّدي المشاريع والمصنّعين على إنشاء مصانع وصناعات في مناطق التفضيل القومي، مما يساهم في تعزيز الضواحي على المستويين الاقتصادي والتشغيلي. بما أنّ %70 من السكان العرب يعيشون في منطقة الشمال، تكمن في هذه الأداة إمكانية إحداث تغيير جذري في أنماط تشغيل العاملين العرب في السوق الإسرائيلية. لذلك، نوصي ببلورة آلية إبلاغ بعدد العاملين العرب ورُتبهم في المصانع التي تطلب منح رأس المال. نعتقد أنّ آلية الإبلاغ هذه ستجّع المبادرين على استيعاب وترقية العاملين العرب والحفاظ على استمرارية عملهم، وبالتالي، فهي تدعم سياسات وزارة الاقتصاد لدمج العاملين العرب في سوق العمل.
لا مانع من أن تُستخدم الاستثمارات الحكومية في قطاع الأعمال من أجل تغيير أنماط التشغيل في السوق الإسرائيلية تجاه %18 من المواطنين. سنتابع في سيكوي التعمّق في هذا الموضوع وإيجاد امتيازات حكومية أخرى تسهم في زيادة الطلب على العاملين العرب في السوق الإسرائيلية وبلورة توصيات قابلة للتطبيق في هذا المجال.
الاقتصاد البلدي
كيف يبدو الواقع الحالي؟
عانت السلطات المحلية العربية على مدار سنوات طويلة من التمييز في تخصيص الميزانيات وفي توزيع الموارد، بما في ذلك موارد الأراضي. ففي عام 2018 مثلًا، بلغ إجمالي إيرادات السلطات المحلية العربية نحو 8.4 مليار شيكل جديد- أي أقل من %10 من إيرادات السلطات المحلية في جميع أنحاء البلاد، مع أنّ نسبة السكان المقيمين في مناطق نفوذها في نفس العام بلغت %14.4 من سكان الدولة. نتيجة قلة الإيرادات في السلطات المحلية العربية، تضررت قدرتها على تطوير محركات نمو لخلق مصادر دخل ذاتية، وتتراجع قدرتها على توفير خدمات نوعية للسكان. فبينما تبلغ النفقات للفرد الواحد في السلطات المحلية اليهودية 7,914 شيكل جديد، فإنّ النفقات للفرد في السلطات المحلية العربية تبلغ 5,403 شيكل جديد فقط، أي أقل بنحو %30 نسبةً للسلطات المحلية اليهودية. يعني ذلك أنّ الساكن في منطقة نفوذ سلطة محلية عربية يتلقى قدرًا أقل من الخدمات في مجالات التربية والتعليم، الرفاه، البنى التحتية، الأنشطة الترفيهية، النظافة وغيرها، مقارنة بالسكان في منطقة نفوذ سلطة محلية يهودية.
لهذه الفجوات أسباب واضحة. أحد الأسباب المركزية للفجوة هي قلة المناطق المدرة للدخل (مناطق صناعية، مناطق تشغيلية، مكاتب، مناطق تجارية وغير ذلك)- وهي مصادر الدخل الرئيسية للسلطات المحلية (خلافًا للاعتقاد السائد، فإنّ ضريبة الأرنونا على السكن ليست مصدر الدخل الرئيسي للسلطات المحلية). نتيجة للسياسة المجحفة وغير المتساوية بتخصيص الأراضي والتي تتجاهل احتياجات السلطات المحلية العربية، ونتيجة النقص في أراضي التطوير، التخطيط غير الملاءم والعوائق الأخرى أمام التنفيذ، تعاني البلدات العربية من نقص حاد في الممتلكات المدرة للدخل. على سبيل المثال، تبلغ مساحة المناطق المدرة للدخل في السلطات المحلية اليهودية المستضعفة 9.6 متر مربع للساكن بالمعدّل، أما في السلطات المحلية العربية التي تحتل المكانة 1-5 على السلم الاقتصادي-الاجتماعي، تبلغ مساحة المناطق المدرة للدخل 2.8 متر مربع للساكن، أي نحو %30 فقط من كمية المناطق المدرة للدخل في السلطات المحلية اليهودية المستضعفة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ آليات الميزانيات الحكومية التي تهدف إلى تقليص الفجوات بين السلطات المحلية القوية والسلطات المحلية المستضعفة- مثل منحة الموازنة وصندوق تقليص الفجوات- تتضمن معايير تنطوي على التمييز ضد السلطات المحلية المستضعفة، بما في ذلك السلطات المحلية العربية. في الواقع، يشير بحث لجمعية سيكوي إلى أنّه حتى إن تم تعديل آلية توزيع ميزانيات صندوق تقليص الفجوات- فبدون زيادة الميزانية الكلية للصندوق، لا يمكن سد الفجوات.
ما هو التغيير الذي أحدثه القرار 922؟
تطرّق القرار 922 بإسهاب إلى تعزيز الخدمات المعطاة للسكان. معظم الميزانيات خصّصت للوزارات، سواء كجزءٍ من الميزانية الجارية أو في إطار ميزانية إضافية، وفقط في جزء صغير من بنود القرار، تم تخصيص الأموال مباشرة للسلطات المحلية. بما أنّ معظم الأموال لم تحول مباشرة للسلطات المحلية العربية، ولم يتم تخصيص ميزانيات خاصة لتحسين الوضع الاقتصادي للسلطات المحلية العربية، يصعب فحص تأثير الميزانية على الاقتصاد البلدي للسلطات.
ما الذي يجب أن يحدث في السنوات الخمس المقبلة ( وأن يُدمج في الخطة الخماسية الجديدة؟)
نوصي بالعمل على عدة مستويات في نفس الوقت: لتحقيق المساواة في هذا المجال على المدى البعيد، يجب الاستثمار في التطوير الاقتصادي في البلدات العربية، بطريقة تسهم في زيادة الإيرادات الذاتية للسلطات المحلية العربية وفي خلق مراكز تشغيل نوعية في البلدات العربية؛ على المدى المتوسط، يجب زيادة الميزانيات الحكومية المحولة إلى السلطات المحلية العربية لتقديم خدمات جماهيرية؛ زيادة وتعديل آليات تخصيص المنح الحكومية مثل منحة الموازنة وصندوق تقليص الفجوات؛ توسيع حدود مناطق النفوذ وتوزيع الإيرادات من المناطق المدرة للدخل في إطار آليات اللجان الجغرافية؛ تعزيز القوى العاملة في السلطات المحلية العربية؛ ودعم إقامة شركات اقتصادية في السلطات المحلية العربية.
بالإضافة إلى الإجراءات التي ستدعمها الوزارات، يوصى بأن تعمل السلطات المحلية العربية أيضًا على تحسين وضعها الاقتصادي بواسطة تحسين منظومة الجباية وزيادة معدلات الجباية؛ المبادرة، التخطيط وإقامة مناطق صناعية، تشغيلية وتجارية في مناطق نفوذ السلطات المحلية العربية؛ وإنشاء تعاونات إقليمية.
التمثيل اللائق
كيف يبدو الواقع الحالي؟
مرّ عشرون عامًا على قوننة واجب التمثيل اللائق في قانون خدمة الدولة والذي يلزم الحكومة بتعيينات تحقق تمثيلًا لائقًا للمواطنين العرب في سلك خدمات الدولة، في جميع المناصب والوظائف، في كل وزارة ووحدة تابعة لها. يشكّل المواطنون العرب نحو %18 من مواطني الدولة، ولكن نسبة تمثيلهم العامة في منظومتي خدمات الدولة (الوزارات وجهاز الصحة) لا تزيد عن %13.2. بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد تمثيل لائق للعاملين العرب في جميع الرُتب: في رتب المبتدئين، تشكل نسبتهم %18.6 فقط من مجمل العاملين، وفي الرتب العليا، تقل نسبتهم عن %4.
يتوجب على الدولة إزالة العوائق أمام استيعاب ودمج المواطنين العرب، مثل إزالة العائقالجغرافي. معظم الوظائف، خاص الوظائف العليا، قائمة في القدس ومركز البلاد، بينما يعيش %70 من المواطنين العرب في شمالي البلاد. يتوجب على الدولة إيضًا إزالة العوائق أمام استمرارية عملهم وترقيتهم في المنظومة، خاصة في مواقع صنع القرار. القرار الحكومي يجب أن يشمل الأدوات اللازمة لإزالة هذه العوائق، وخاصة تحديد هدف محدّث وتفاضلي للوزارات والمناصب خاصة المناصب العليا.
ما هو التغيير الذي أحدثه القرار 922؟
لم يتناول القرار 922 مسألة التمثيل اللائق. أثناء سنوات تطبيق القرار 922، كان التقدّم في مجال التمثيل اللائق للمواطنين العرب بطيئًا وجزئيًا، وذلك بسبب عوامل وعوائق عديدة، وأهمها حقيقة أنّ الحكومة لم تحدد أهداف لزيادة نسبة التمثيل اللائق للمواطنين العرب في سلك خدمات الدولة، والأهداف السابقة (التي تحددت في عام 2007 وتحققت في 2016) لم تتطرق إلى تمثيل المواطنين العرب في الرتب المختلفة في سلك خدمات الدولة.
ما الذي يجب أن يحدث في السنوات الخمس المقبلة ( وأن يُدمج في الخطة الخماسية الجديدة؟)
يتوجب على الدولة، بالتعاون مع المجتمع العربي ومنظمات المجتمع المدني، تحديد أهداف جديدة ومحدّثة لتمثيل المواطنين العرب في الوزارات، وزارة الصحة والشركات الحكومية، وتحديد أهداف تفاضلية للوزارات والرتب المختلفة وأهداف لتمثيل النساء العربيات والطلاب الأكاديميين العرب.
يتوجب على الدولة العمل على إزالة العوائق أمام الاندماج والترقية في سلك خدمات الدولة عن طريق ملاءمة أدوات الاستيعاب والترقية ومراعاة خصائص المجتمع العربي. يتوجب على مفوضية خدمات الدولة العمل بشكل فعال لضمان تحقيق الهيئات الحكومية للأهداف الحكومية في مجال التمثيل اللائق، خاصة في المناصب العليا.
يتوجب على المفوضية أيضًا السعي بشكل فوري لتعيين أعضاء لجان الاختبارات من المجتمع العربي في المناقصات التي تشمل مرشّحًا عربيًا. يتوجب عليها أيضًا دمج مرشّحين وعاملين من المجتمع العربي في برامج تأهيل مدراء مستقبليين في سلك خدمات الدولة، وتقديم مرافقة مهنية ملائمة للعاملين في الرتب المتوسطة، بهدف تأهيلهم للعمل في مناصب عليا.
أسعدنا تناول المسودة الحالية للخطة التكميلية موضوع التمثيل اللائق للمواطنين العرب في سلك خدمات الدولة، والذي كان غائبًا تمامًا عن الخطة الخماسية 922. شملت المسودة الحالية الجدول الزمني لتحقيق الغاية الحكومية التي ستزيد من نسبة التمثيل.
النقب
كيف يبدو الواقع الحالي؟
يسكن في النقب نحو 280 ألف مواطن عربي، من ضمنهم، يسكن 100,000 مواطن في قرى مسلوبة الاعتراف، بينما تسكن البقية في 11 قرية معترف بها وفي سبع بلدات حضرية. جميع القرى التي يسكن فيها المواطنون العرب، المعترف بها ومسلوبة الاعتراف، تعاني من تمييز حاد في الميزانيات، البنى التحتية وتقديم الخدمات.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني سكان القرى مسلوبة الاعتراف من الإهمال والحرمان الشديد النابعين مباشرةً من انعدام مكانة قراهم- فهي تفتقر للمؤسسات التعليمية، الطرقات المعبدة، البنى التحتية للمياه والصرف الصحي، ويعاني سكانها من هدم المنازل على نطاق واسع.على ضوء ذلك، لا عجب إذًا في أنّ المجتمع البدوي في النقب هو من الفئات السكانية الأكثر فقرًا في الدولة: جميع السلطات المحلية في النقب مصنّفة في العنقود الاجتماعي-الاقتصادي 1 (أي الأدنى) وتعاني من معدلات بطالة وتسرّب عالية جدًا: إذا تبلغ نسبة البطالة %20، بينما تبلغ نسبة التسرّب من المدارس نحو %25 (تسري المعطيات على العام 2019).
ما هو التغيير الذي أحدثه القرار 922؟
قرى النقب لم تُشمَل مباشرةً في الخطة 922، بل في خطة منفصلة-2397، والتي تطرقت فقط إلى البلدات العربية في النقب. مع ذلك، خُصصت قرابة نصف ميزانية الخطة 2397 من الميزانية الإجمالية للخطة 922. هدفت الخطة 2397، الواقعة ضمن مسؤوليات سلطة تطوير وتوطين البدو في النقب وقسم التطوير الاجتماعي- الاقتصادي في المجتمع البدوي (عملت الهيئتان في حينه في إطار وزارة الزراعة، وهما الآن تابعتان لوزارة الرفاه الاجتماعي) إلى تحسين المؤشرات الاقتصادية للبلدات، وتناولت مختلف المجالات المهمة، ولكنها تخللت بعض الإشكاليات الرئيسية: الفصل بين الخطتين، مع أنّهما تتشاركان مصدرا ميزانياتيا مشترك، ولكنها تقعان ضمن مسؤولية جهات حكومية مختلفة، يخلق واقع “فرق تسد” وتوزيعًا خاطئًا للميزانيات بين مختلف الشرائح السكانية في المجتمع العربي.
لم تتطرق الخطة إلى البلدات مسلوبة الاعتراف، التي تسكنها أكثر من 100,000 نسمة- أي أكثر من ثُلث سكان النقب العرب، والذين يعيشون واقعًا اقتصاديًا-اجتماعيًا أصعب من واقع القرى المعترف بها. نرى أنّه لا يصحّ، وبل ويستحيل أيضَا العمل على التطوير الاجتماعي-الاقتصادي للمجتمع العربي في النقب مع تجاهل سكان القرى مسلوبة الاعتراف. إلى جانب تخصيص الميزانيات في إطار البرنامج، طرأ في السنوات الأخيرة ارتفاع ملحوظ في معدلات هدم البيوت في البلدات العربية في النقب (المعترف بها ومسلوبة الاعتراف)، والتي تبلغ حاليًا نحو 2,000 مبنى في السنة. بالإضافة إلى الآثار النفسية الصعبة على الفرد، فإنّ هدم المنازل يزيد من شدة الفقر، وهي خطوة مناقضة لتدابير التطوير الاجتماعي-الاقتصادي.
ما الذي يجب أن يحدث في السنوات الخمس المقبلة ( وأن يُدمج في الخطة الخماسية الجديدة؟)
بالإضافة إلى العمل على تطوير الخطة التكميلية للخطة 922، يُنفّذ عمل مهني لتطوير الخطة التكميلية للمجتمع العربي في النقب. لكي تحقق الخطة أهدافها وتتيح المجال لخلق تغيير جذري في البلدات العربية في النقب، يجب اتخاذ الخطوات التالية:
- صدر مؤخرًا قرار بإلغاء الفصل بين الخطة الخماسية للنقب والخطة العامة للبلدات العربية. إنّه قرار مبدئي صحيح ومهم، ولكن لكي يكون له أثر فعلي في المستقبل، يجب العمل في السنوات القريبة على دمج أنشطة التطوير الاجتماعي-الاقتصادي في النقب في أنشطة سلطة التطوير الاجتماعي-الاقتصادي، لتتوفر لدى سلطة التطوير الاجتماعي-الاقتصادي مستقبلًا الأدوات المناسبة لتحمل المسؤولية حيال الخطط الخاصة بمنطقة النقب أيضًا.
- الخطة الخماسية يجب أن تتطرق إلى القرى مسلوبة الاعتراف: مع أنّ العائق المركزي أمام تطوير القرى مسلوبة الاعتراف هو عدم الاعتراف بها، لا يمكن انتظار تطبيق حل جذري لهذه القضية ليتمتع سكان القرى بمنالية الخدمات الأساسية. انعكست هذه الحقيقة بشكل خاص في فترة أزمة الكورونا، حيث أنّ فصل هذه القرى عن القرى المجاورة كشف الستار عن ضائقة هذه القرى التي تعتمد تمامًا على الخدمات (الصحة، التعليم والرفاه مثلًا) المُعطاة في البلدات المجاورة. هناك حل قانوني وقابل للتطبيق لتقديم الخدمات عن طريق مراكز للخدمات الحيوية التي تنشط في مبانٍ متنقلة، ويجب تخصيص ميزانيات في إطار الخطة الخماسية لتفعيل وإقامة مراكز من هذا النوع.
- لأسباب تاريخية، سياسية واجتماعية مختلفة، هناك عوائق خاصة أمام دعم البناء، الترخيص والتطوير في البلدات العربية في النقب. في الوضع الحالي، وفي كثير من الأحيان، لا يكون هناك لدى السكان أي بديل حقيقي ومقبول لبناء منازلهم بشكل قانوني، وبالمقابل، تستخدم الدولة سياسة هدم المنازل كوسيلة ضغط على السكان لفرض حلول غير مقبولة عليهم. هدم المنازل هو آلية تنتهك حقوق السكان بشكل صارخ، ويجب استخدامها فقط في الحالات الاستثنائية، وليس كإجراء روتيني. ندعو لوقف هدم المنازل، وبدلًا من ذلك، الاستثمار في إطار الخطة الخماسية في ميزانيات التطوير والترخيص، وفي إجراءات تشخيص وإزالة العوائق أمام التخطيط، الترخيص والبناء القانوني.
مبادئ عامة توجيهية لبلورة القرار التكميلي
قمنا بفحص العوائق والتحديات التي برزت في سنوات تطبيق القرار الست. على إثر ذلك، توصلنا إلى استنتاجات يجب تطبيقها لكي يحقق القرار أهدافه المحددة مسبقًا.
- التخصيص المنصف للموارد – تخصيص الموارد للمجتمع العربي بنسبة تساوي نسبة المواطنين العرب من مجموع السكان في البلاد غير كاف في كثير من الأحيان لسد احتياجات المجتمع العربي، وهنالك حاجة إلى توزيعة أكثر انصافا تأخذ بعين الاعتبار ضائقة المجتمع العربي، وفي هذا الصدد كانت الخطة 922 قد وضعت آليات لضمان تخصيص عادل ومصحح في بعض المجالات السياساتية، ولكن في مجالات عديدة أخرى، لا تزال هناك آليات تخصيص تمييزية، حيث لم يتم بعد تجسير الفجوات الهائلة التي اتسعت تدريجيًا على مدار عشرات السنين من التمييز في تخصيص الميزانيات. ولذلك، نرى أنّه في المجالات التي طبّق فيها القرار 922 آلية التخصيص المنصف للميزانيات، يجب متابعة هذا التخصيص في السنوات الخمس المقبلة، أما المجالات التي لم تعدّل فيها بعد آليات التخصيص، فيجب بلورة وتطبيق آلية تخصيص عادل للموارد.
- تعزيز السلطات المحلية- لم يخصّص القرار 922 موارد كافية لتقوية وتعزيز السلطات المحلية العربية والتي تعاني ضعفا تنظيميا جراء التمييز المتواصل. تعزيز السلطات المحلية لا يقتصر على التحويل المباشر للميزانيات، بل يتضمن توسيع دائرة القوى العاملة وتطوير رأس المال البشري في السلطات المحلية، تطوير بنى تحتية بشرية وتكنولوجية، تقديم الدعم الضروري من أجل الأداء السليم في حالات الطوارئ وعلى ضوء الاحتياجات الراهنة والمستقبلية، توفير المعلومات الضرورية وإنشاء تواصل مباشر بين السلطات المحلية والوزارات المختلفة، إشراك السلطات المحلية في بلورة القرارات وتطبيقها وغير ذلك. في الواقع، فإنّ السلطات المحلية العربية وكونها مستضعفة غير قادرة على تحصيل الميزانيات التي تستحقها بموجب القرار، وبالتالي، يضعف ذلك من جدوى القرار، جودة حياة السكان لا تتحسن والفجوات القائمة بين السلطات المحلية العربية واليهودية تبقى على حالها. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ القرار يجب أن يشمل أيضًا السكان والبلدات غير المنتمين لأي إطار بلدي (كما يحدث في النقب) والواقعين بين المطرقة والسندان، والسلطات المحلية الملزمة بتقديم الخدمات لهؤلاء السكان، ولكنها لا تُعوّض على ذلك.
- التطرّق إلى المجتمع العربي بجميع أطيافه- المجتمع العربي ليس متجانسًا، وتوجد في كلّ مجتمع فئات سكانية ذات خصائص واحتياجات مختلفة. وبالطبع، لا توجد سياسة واحدة ووحيدة مناسبة لجميع هذه الفئات، وللتغلب على هذا التحدي، يجب إجراء ملاءمات لمختلف مجموعات الهدف وإشراكها في ذلك وتقييم جدوى وأثر السياسة عليها. مع ذلك، فإنّنا نعترض جملة وتفصيلا على بلورة قرارات حكومية منفصلة لكلّ فئة سكانية على حدة، مثل: البدو، الدروز، القرى المعترف بها والقرى مسلوبة الاعتراف. نعتقد أنّ السياسة الحكومية القائمة على اعتبارات سياسية وغير مهنية تؤدي إلى انعدام الثقة وإلى المنافسة على الموارد بين الفئات المختلفة التي يتكون منها المجتمع العربي، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى إضعافه.
هذا ما حدث في قرار فصل الخطة الخماسية للمجتمع العربي في النقب عن الخطة الخماسية العامة للمجتمع العربي: ففي حين تقع الخطة 922 ضمن مسؤوليات سلطة التطوير الاجتماعي-الاقتصادي للمجتمع العربي، فإنّ الخطة 2397 تقع ضمن مسؤوليات قسم التطوير الاجتماعي-الاقتصادي في المجتمع البدوي، التابع لوزارة الزراعة. أثار هذا الفصل نقدًا في أوساط قيادة المجتمع العربي، ومن ضمنها اللجنة القطرية لرؤساء المجالس العربية، ومنظمات المجتمع المدني العاملة في المجال، وذلك لعدة أسباب: مبدئيًا، فإنّ الفصل بين الخطط المخصّصة للمجتمع العربي بناءً على الموقع الجغرافي للبلدات أو أيّة خصائص أخرى للبلدة أو لسكانها يخلق واقع “فرق تسد” الذي يلحق ضررًا جسيمًا بالمجتمع العربي ويضعضع علاقة الثقة بين المجتمع العربي ومؤسسات الدولة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الفصل بين الخطط، إلى جانب المصدر الميزانياتي الموحّد، يؤدي إلى توزيع غير عادل للميزانيات بين البلدات والفئات السكانية في المجتمع العربي، والذي لا يستند إلى معايير مهنية. على المستوى العملي، يمسّ هذا الفصل بشكل كبير بقدرة الدولة على توفير حلول شمولية للقضايا العامة والقطرية المشتركة لجميع المواطنين العرب، بغض النظر عن خلفيتهم، بواسطة استخدام المعرفة والخبرة المتراكمة في الوزارات وأذرعها المختلفة، وبناء واجهات بينية إيجابية وضرورية مع الحقل لضمان ملاءمة السياسات لمجموعة الهدف، وتطبيقها لاحقًا.
المبادئ العامة للقرارات الحكومية
لكي يحقق القرار الخمسي الجديد أهدافه، وأهمها تقليص الفجوات الاقتصادية والاجتماعية بين المجتمع اليهودي والعربي، توصي جمعية سيكوي بتبنّي ستة مبادئ توجيهية يجب اتباعها لتحقيق الجدوى القصوى لكل سياسة حكومية للمجتمع العربي أيضًا- ابتداءً من سيرورة بلورة القرار، إدارته، وحتى تطبيقه بشكل فعلي، تقييمه وقياسه (للمزيد هنا)
جمع المعطيات – كل خطّة أو سيرورة حكومية في إطار القرار الخمسي القادم وبشكل عام يجب أن تستند إلى جمع، دمج وتحليل معطيات موثوقة، شاملة ودقيقة. بالتالي، نوصي بتخصيص ميزانية لبناء منظومة لجمع المعطيات بشكل ممنهج ومتواصل، وإجراء أبحاث حول الآثار المختلفة للسياسات الحكومية على المجتمع العربي وحول العوائق المختلفة وطرق التغلب عليها. لاحقًا، يجب الحرص على أن تكون هذه المعطيات والمعلومات التي تمّ جمعها متاحة وشفافة للجمهور، للخبراء وللمنظمات ذات الشأن في المجتمع العربي، وذلك لإشراكهم في استخلاص العبر منها وبلورة حلول حكومية. أخيرًا، يجب ملاءمة طرق جمع المعلومات وملاءمتها بغية رسم صورة حقيقية وموثوقة لواقع المجتمع العربي، مع إيلاء اهتمام خاص لفئات معينة في المجتمع العربي (ومن ضمنهم الشباب، مجتمع الميم (المثليون، المثليات، مزدوجو الميول الجنسية والمتحولون) المواطنون العرب-البدو في النقب، الأشخاص ذوو المحدوديات).
- الأهداف والمؤشرات – كل قرار يجب أن يشمل أهدافا واضحة وقابلة للقياس للمجتمع العربي ولمجموعات الهدف ذات الصلة في كل من المجالات المشمولة في الخطة. الأهداف والمؤشرات يجب أن تتطرق إلى الجوانب النوعية للقضايا المختلفة، وليس فقط الكمية. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الأهداف يجب أن تكون مقارِنة بطريقة تسهم في تقليص الفجوات بين المجتمع العربي والمجتمع اليهودي.
- آليات المتابعة والتقييم – يجب بناء آليات واضحة وثابتة لبلورة القرار، إدارته على المستويين الميزانياتي والعملي وتطبيقه. تتتبّع هذه الآليات التقدّم في سيرورة تطبيق القرار مقابل أهدافه، وتشخّص العوائق أمام تقدّمه على جميع المستويات. هذه الآليات يجب أن تشمل تمثيلًا مناسبًا لقيادة المجتمع العربي ولمنظمات المجتمع المدني العربية، وتمثيلًا مناسبًا لممثّلي الوزارات العرب. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ مناقشات آليات المتابعة والتقييم يجب أن تكون متاحة للجمهور وقائمة على معطيات مناسبة يتوجّب على الوزارات توفيرها ضمن إطار زمني موحد، مما يسهم في إدارة حوار بناء.
- المرونة الميزانياتية – تُعلمنا التجارب أنّ الاحتياجات المتغيرة والظروف المختلفة تؤثر على تخصيص ميزانيات القرار وعلى استغلالها. لذلك، نعتقد أنّ القرار يجب أن يسمح بنقل الميزانيات بين البنود المختلفة، بحيث يمكن تخصيص ميزانيات للمجالات التي تكون فيها الاحتياجات أكبر واستغلال الميزانيات أكثر فاعلية. بالطبع، فإنّ هذه المرونة الميزانياتية يجب أن تتم في إطار آليات المتابعة والتقييم، ووفقًا للأهداف والمؤشرات المحددة.
- توفير المعلومات وإتاحتها – نجد مرارًا وتكرارًا أنّ المعلومات التي تخصّ الجمهور بأكمله غير مترجمة وغير متاحة باللغة العربية، لا تراعي الخصائص الثقافية للمجتمع العربي، وغير مُعمّمة عبر القنوات الإعلامية الرائجة في المجتمع العربي. توجد أيضًا فجوات في إتاحة الخدمات الحكومية للمجتمع العربي، سواء على مستوى الإتاحة الجغرافية للخدمات للبلدات العربية، أو على مستوى الخدمات المحوسبة. يشكل هذا التمييز عائقًا عرضيًا كبيرًا أمام قدرة المواطنين العرب على تحصيل حقوقهم، ويحول دون تحصيل الميزانيات والموارد الحكومية. هذا القرار يجب أن يشمل ميزانيات خاصة لكلّ مجال من المجالات المشمولة فيه.
- توجّه شمولي – التقسيم الواضح لمجالات مختلفة في القرار يتيح المجال لتخصيص الموارد بشكل واضح ولتعريف الأهداف المحددة، ولكنه لا يراعي العلاقة القائمة بين المجالات المختلفة، مثل: التخطيط والتشغيل، البنى التحتية والشباب، البيئة والتعليم وغير ذلك. لذلك، نعتقد أنّه يتوجب على الحكومة بلورة آليات تنسيق يمكن بواسطتها مزامنة وتنسيق السيرورات بين مختلف الجهات المتداخلة في دعم المجالات المختلفة، لتخلق تغييرًا حقيقيًا وعميقًا وتسهم في التحصيل الأمثل للموارد المخصصة لهذه المجالات.