سيكوي-أفق للمساواة والشراكة (ج م)

ما هو المجتمع المشترك وبمَ يختلف عن التعايش؟

الحيّز الذي نعيش فيه هو البيت المشترك لجميع المواطنين- عربًا ويهودًا على حدّ سواء. لكي يكون المجتمع مشتركًا، يجب أن تتحقق فيه المساواة على جميع المستويات، كالمساواة في الموارد المادية مثلًا، ولكن ما لا يقلّ أهمية عنها هي علاقات الثقة والاحترام المتبادل بين المجموعات المختلفة. في المجتمع المشترك، تعترف المجموعات المختلفة بأنّ التنوع في المجتمع يخلق ثراءً ثقافيًا ويعزز التكافل- دون التنازل عن الهوية والرواية الخاصة بكل مجموعة قومية. خلافًا لاصطلاحيّ “التعايش” أو “التسامح””، فإنّ المجتمع المشترك يشدّد على أهمية الشراكة، الاعتراف بالآخر والمساواة على جميع المستويات. “التعايش” قد يمثّل أيضًا واقعًا تعيش فيه كل مجموعة على حدة، بدون أي احتكاك، بينما يستدعي المجتمع المشترك إقامة حوار وتواصل حقيقيين، واعتراف وشرعنة للهوية الجماعية، ولتراث وثقافة الطرفين.

يوجد في ساحة مكاتب سيكوي في حيفا قنّ دجاج، وهناك أيضًا سلاحف، أرانب وقطط، وجميعها تعيش سوية دون أن تأكل بعضها البعض. هذه الكائنات لا تعرف بعضها البعض، ولا يوجد بينها أي تفاعل. هذا يسمّى تعايش.  في المجتمع المشترك، هناك تعارف وتعلّم متبادل، حيث يسعى كلّ مجتمع لتعلّم لغة وثقافة المجموعة الأخرى التي تتقاسم معها الحيز والحياة.

ألا يعني المجتمع المشترك أنّني مضطر للتنازل عن هويتي؟

إطلاقًا. لبناء مجتمع مشتركة، متين وسليم، يجب الحرص على أنّ يحافظ أبناء المجموعتين القوميتين على هويتهم، وأنّ يعرفوا المجموعة التي ينتمون إليها والرواية الخاصة بها. التعرف إلى ثقافة قريبة ومختلفة في آن واحد قد تضع أمامنا مرآة- والتي تساهم في توضيح المعضلات وتوسيع وإثراء منظورنا لهويتنا الذاتية. عندما يتزامن ذلك مع معرفة المكانة الخاصة للمجموعات الأخرى، والحرص على تحقيق المساواة للجميع- يمكن بناء مجتمع مشترك حقيقي.

كيف ننهض بمجتمع مشترك؟

أولًا، عن طريق التربية! المجتمع المشترك والمتساوي يبدأ بالتربية. وكما قال مراقب الدولة، فإنّ التربية للحياة المشتركة تمرّ عبر بنية تحتية تنظيمية، ميزاناتية، إدارية وتربوية   متينة التي تدعم نشاطًا ممنهجًا ناجعًا وطويل الأجل لمنع الإقصاء والعنصرية تجاه الآخر في الأوساط الطلابية- حتى إن لم يكن حاضرًا ولا تربطنا به علاقة مباشرة. هذا ما حددته لجان عمومية مختلفة ومراقب الدولة الذين تناولوا هذا الموضوع في العِقد الأخير، واستنتجوا أنّ هناك حاجة ماسة لتعزيز التربية للحياة المشتركة في إسرائيل.

لتحقيق هذه الأهداف، ندعو في جمعية سيكوي، من خلال مجال “التربية للحياة المشتركة”، لتعزيز تعليم اللغة العربية في جهاز التربية والتعليم العالي، زيادة حضور المجتمع العربي في المواد التعليمية والاستثمار في تطوير مهارات التربية للحياة المشتركة في برامج تأهيل المعلمين وفي تطويرهم المهني. لقراءة المزيد: اقرؤوا هنا 

كيف يمكننا الحديث عن التربية لحياة مشتركة في ظل العنف بين العرب واليهود؟

تحديدًا الآن، بعد حوادث العنف المؤلمة التي شهدناها في شهر أيار 2021، بات واضحًا لنا أكثر من أي وقت مضى أنّ التربية ضد العنصرية ليست امتيازًا أو أمرًا هامشيًا. العنف الذي رأيناه بين المواطنين والعرب هو نتيجة إهمال التربية للحياة المشتركة، من جملة أمور أخرى. لنتمكن من العيش في هذا الواقع المركّب والهشّ في إسرائيل، نحن بحاجة لجهاز تربية وتعليم يسعى لتعزيز التربية ضد العنصرية ومن أجل التسامح والتقبل بين الطلاب. نحن بحاجة لجهاز تربية وتعليم حريص على تعزيز ظهور المجتمع العربي-الفلسطيني في الكتب التعليمية، تصوير المواطنين العرب كمتساوين في الحقوق، استثمار الموارد وتطوير برامج طويلة الأجل للتعرف إلى المجتمع العربي بواسطة تعلم اللغة العربية وتأهيل المربّين لتناول الصراع اليهودي-العربي بشكل مركب. في واقع يسوده التمييز متعدد السنوات تجاه المواطنين العرب في إسرائيل، وفي خضم الصراع القومي المستمر، يتوجب على جهاز التربية والتعليم أن يشكّل نموذجًا للتسامح والتكافل، وليس فقط بين أبناء الشعب الواحد.

أليس الأهم تعليم الصِغار الإنجليزية ليتقدّموا من الناحية المهنية؟

الدافع المركزي لتعليم الإنجليزية هو عملي- التقدّم في مجالي التعليم والعمل، وهي حاجة مشتركة للعرب واليهود. الدوافع المركزية لليهود لتعلّم العربية عديدة وأكثر تنوعًا- فبالإضافة إلى الفائدة اليومية التي ستعود عليهم في أماكن العمل والفضاءات المشتركة، فإنّ تعلم العربية يعود بفائدة اجتماعية، قيمية وتربوية ذات تأثير مهم على مستقبل العلاقات بين المجموعات المختلفة في إسرائيل. معرفة اللغة العربية تبدد المخاوف ومشاعر النفور، وتفتح نافذة للتعرف إلى الثقافة العربية والتراث العربي والمواطنين العرب في إسرائيل. تدلّ الأبحاث على أنّ تعلّم لغة مجموعة الأقلية قد يوفر الأدوات اللازمة للتخفيف من حدة الصراع. كلما قلّت التفرقة وتعمّق التعارف بين اليهود والعرب في مختلف مجالات الحياة، كلما ازدادت أهمية الحد من مشاعر النفور والعدائية بين المجموعتين وتوفير الأدوات اللازمة للتعامل مع الجهل والعنصرية.

غالبية العرب يتحدثون العبرية، لماذا يتوجب على اليهود إذًا تعلّم العربية؟

اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، إنما أيضًا جسرًا للتعرف إلى تاريخ وثقافة ومختلف جوانب المجتمع العربي. هذه المعرفة مهمة جدًا لتحسين العلاقة بين اليهود والعرب في إسرائيل. تحقيق هذه الهدف مهم جدًا، علمًا أنّ نصف المواطنين اليهود في إسرائيل تقريبًا ترعرعوا في كنف أهالٍ يتحدثون العربية بطريقة أو بأخرى.

طلاب اليوم هم مواطنو الغد في مجتمع سيلتقي فيه العرب واليهود يوميًا في المؤسسات الأكاديمية، في سوق العمل وفي الحيز العام، أكثر بكثير من الوقت الحالي. المواطنون العرب يشكلون %18 من مواطني الدولة، وهم أقلية أصلانية هنا. مع أنهم يتعلمون ويضطرون لمعرفة لغة وثقافة مجموعة الأغلبية اليهودية ليتمكنوا من الاندماج، ولكن إن تعلموا هم فقط اللغة العبرية، فإنّ المواطنين اليهود سيخسرون كنزًا ثمينًا، ولن يتمكنوا من معرفة المجتمع العربي والثقافة العربية بشكل حقيقي.

ما دور جهاز التربية والتعليم في تعزيز المجتمع المشترك؟

جهاز التربية والتعليم قادر على المساهمة في بناء مجتمع مشترك ومتساوٍ. جهاز التربية والتعليم يزود الطلاب بالمهارات والمعرفة يوميًا وعلى مدار سنوات طويلة، ويؤثر على بلورة وجهات نظر وقيم الجيل القادم. ولكن خريجي جهاز التربية والتعليم ينهون 12 سنة تعليمية بدون معرفة اللغة العربية، ومع معرفة قليلة وسطحية جدًا بالثقافة والتاريخ والمجتمع العربي.

على سبيل المثال، فقط %1.6 من اليهود فوق سن الـ 20 عامًا يفيدون بأنّهم قادرون على إدارة محادثة يومية بفضل تعليمهم المدرسي، مع أنّ اللغة العربية هي مادة إلزامية في المرحلة الإعدادية منذ عقود. بالإضافة إلى ذلك، يتضح من مسح للكتب التعليمية في جهاز التربية والتعليم في إسرائيل أنّه لا يوجد تقريبًا أي تمثيل لشخصيات عربية أو لأماكن عربية في المواد التعليمية. يدل بحث أجريناه  في جمعية سيكوي على غياب المجتمع العربي عن المواد التعليمية في جهاز التربية والتعليم العبري، بالتالي، فإنّ الواقع المصوّر للطلاب اليهود في إسرائيل خالٍ من العرب.

توجد لهذا الإقصاء الممارس تجاه خُمس مواطني الدولة عواقب وخيمة في ظل الصراع القومي والواقع السياسي المركب في إسرائيل. معظم الطلاب اليهود لن يلتقوا بطلاب عرب في الحي وطوال سنوات التعليم المدرسي الـ 12. وحيثما قلّت المعرفة والفضول، ينشأ فراغ الذي يمتلئ بالأفكار النمطية وبمشاعر النفور والخوف التي تتغذى على الخطاب اليومي في إسرائيل. على ضوء ذلك، يتوجب على جهاز التربية والتعليم العمل على سد هذه الفجوة.

يتوجب على جهاز التربية والتعليم تدريس العربية لعدد أكبر من الطلاب، لسنوات أطول وبشكل موجّه لتطوير مهارات الاتصال ومعرفة المجتمع العربي في إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تعزيز حضور المجتمع العربي في المواد التعليمية في المدارس سيساهم في تجسير الفجوة. لقد أثبت جهاز التربية والتعليم في إسرائيل أنّه مدرك لأهمية الحضور اللائق للمجتمع العربي في المواد التعليمية، وأنّه قادر على تعديل تمثيله في المواد التعليمية بواسطة تطبيق مناشير المدير العام، فقد تم مثلًا إصلاح التشوهات الجندرية التي كانت قائمة في المواد التعليمة، وكذلك الأمر بالنسبة للتمثيل اللائق للشرقيين والمنحدرين من أصول أثيوبية. تؤمن جمعية سيكوي بوجوب توسيع نطاق هذه الالتزام من أجل المساواة تجاه المواطنين العرب أيضًا.

يوجد في إسرائيل أشخاص آخرون ناطقون بالروسية، الأمهرية والإنجليزية، لماذا تعطى الأولوية إذًا لتعلم العربية؟

الأقلية العربية-الفلسطينية هي الأقلية الأصلانية الوحيدة من بين مواطني الدولة، والأكبر بين مجموعات الأقليات في إسرائيل. ولد أبناء الأقلية هنا، ولغتهم تشكل جزءًا مهمًا من الثقافة والحيز الجغرافي. على مر السنين، حصلت اللغة العربية على مكانة خاصة، وأحيانًا رسمية أيضًا، في أحكام قضائية وفي قرارات حكومية. إنّ الحضور المتساوي للغة العربية في الفضاءات العامة سيعزز من الحوار والاحترام المتبادل بين المواطنين المقيمين هنا، إلى جانب زيادة حضور الهوية الثقافية والوطنية المميزة للأقلية العربية الفلسطينية. توجد في أوساط المواطنين اليهود في إسرائيل مجموعات لا تتحدث العبرية كلغة أم، ولكن بالنسبة لهذه المجموعات، فإنّ اللغة العبرية هي جزء لا يتجزأ من هويتهم الوطنية والجماعية. ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للمواطنين العرب، إذ أنّ اللغة العبرية التي تفرضها الدولة عليهم دخيلة على هويتهم الجماعية، الثقافية والوطنية. بالإضافة إلى ذلك، توجد للغة العربية أهمية ثقافية للعديد من اليهود- باعتبارها اللغة التراثية لنحو %50 من اليهود في إسرائيل، المنحدرين من دول عربية ومن شمال أفريقيا، ولغة مهمة في التقاليد والفكر اليهودي- وبالتالي، توجد لحضورها في الحيز العام وتدريسها في جهاز التربية والتعليم قيمة مضافة، لأنّها تشكل جسرًا ورابطًا مهمًا بين العرب واليهود سكان البلاد. 

Silence is Golden